📁 آخر المقالات

المحور الاول: مشروعية الدولة وغايتها

مشروعية الدولة وغايتها


إن الحديث عن مشروعية الدولة وغايتها، يجرنا في البداية إلى التمييز بين مفهومين أساسيين: أولهما هو مفهوم "مشروع" الذي يشير إلى الحالة التي تكون فيها الحقوق الإنسانية الأساسية أي الحقوق الكونية هي المحدد الأول للعلاقات الاجتماعية والسياسية وأساس الدساتير والقوانين. وثانيها مفهوم "شرعي" الذي يشير إلى الحالة التي تخضع فيها العلاقات الاجتماعية والسياسية، لقوانين الدولة أي القانون الوضعي كما أن الدولة بدورها تخضع للقانون الدولي أو الشرعية الدولية هكذا فكل دولة تستند إلى مشروعية ما، وانطلاقا من هذه المشروعية يتم اختيار الغايات من وجودها.


اشكالية المحور

من أين تستمد الدولة شرعيتها ...؟ وما هي الغاية التي تريد تحقيقها...؟

أرسطو

نشوء الدولة حسب أرسطو يعود إلى الاستعداد الطبيعي للإنسان من أجل الاندماج في الحياة المدينة أو الاجتماعية "الإنسان مدني بالطبع"، ولا يستطيع العيش خارج الجماعة. ومن ذلك، فالإنسان يتميز عن الحيوانات الأخرى بمجموعة من القدرات الطبيعية، لأنه يستطيع التحدث (الكلام)، باعتباره القدرة التي تمكنه من التمييز بين الخير والشر، وبين العدالة والظلم، في حين أن صوت الحيوان هو مجرد وظيفة للتعبير عن الألم واللذة، وبناء على هذه المؤهلات، فإن الانسان قادر على تبادل المعرفة وتأسيس الأسرة والدولة، ومنه الارتقاء من عالم الحيوانية إلى عالم الإنسانية. وبالتالي، فالهدف الأساسي للدولة هو ضمان خير وسعادة جميع الأفراد، وتحقيق اكتمالهم في الاجتماع المدني، الذي يضمن حياة فاضلة يسود فيها الخير والعدالة والمساواة.

باروخ ايبسنوزا


إن الغاية من تأسيس الدولة، ليست فرض السيادة والنفوذ أو إرهاب الناس، وإنما الغاية الحقيقة هي الحرية، وذلك بتحرير الفرد من كل مظاهر الخوف، وتمكينه بالتالي دون أن يلحق أضرارا بالغير من ممارسة حقه الطبيعي في الحياة والعمل. فالغاية منها، ليست تشيئ الإنسان وسلبه حريته، بل تحقيق الشروط المواتية ليستخدم عقله استخداما حرا. وهذه الحرية ليست بمعناها المطلق واللامتناهي والموحش، بل حرية أخلاقية لا تتعارض مع قوانين العقل والأخلاق. وشرعية الدولة هنا مستمدة من الإرادة الجماعية للشعب، من خلال تنظيم تعاقد وتعاهد بينهم. يتطلب من الفرد التنازل عن حقه في التصرف كما يشاء. ومقابل هذا التنازل، يتمتع بحرية كاملة في التعبير عن آرائه وأفكاره، طالما أنه لا يفعل أي شيء يضر بالدولة. لذا فإن الغرض الحقيقي من إقامة الدولة هو حرية التفكير.


كارل ماركس

الدولة ليست محايدة، لكنها تقف إلى جانب طبقة معينة من المجتمع على حساب الطبقات أو الأفراد الآخرين، لذا فهي دولة تابعة وليست مستقلة عن رغبات الأفراد والجماعات. ومن هنا فهي غير متوازنة وغير موضوعية، وبالتالي وجودها يؤدى إلى وجود صراعات طبقية. لا تستمد الدولة شرعيتها إلا من خلال هذا الصراع، صراع بين طبقة برجوازية تمتلك وسائل الإنتاج، وطبقة عاملة تعمل على وسائل الإنتاج. لذا فإن الدولة هي وسيلة تستخدمها الطبقة البرجوازية للحفاظ على مصالحها وحماية امتيازاتها وضمان وجودها كطبقة مهيمنة. ونتيجة لذلك، فإن شرعيتها مستمدة من الطبقة البرجوازية، وهدفها هو المجتمع الطبقي وإدارة وتنظيم مصالحه.

خلاصة المحور

إذا اعتبرنا أن التجمع البشري ضرورة طبيعية، وأن الدولة هي أرفع مؤسسة سياسية معروفة للإنسان، فيمكن القول أن الغرض الأساسي من وجودها، والذي منح الشرعية لكيانها، هو ضمانها لجميع أعضائها ممارسة جميع إمكاناتهم الطبيعية، وعلى رأسها الحفاظ على حرية الأفراد، والحاكم مطالب بحماية حقوقه وحرياته العامة من أجل ضمان السلام والأمن.

تعليقات