طبيعة السلطة السياسية
يمكن تعريف السلطة بأنها مجموع الممارسات والإجراءات التي تتم على عدة مسارات ومجالات المجتمع، وبمشاركة فعلية أو رمزية من عدة مؤسسات وأطراف تهدف إلى الهيمنة والإخضاع، من خلال استخدام التدابير المؤسساتية والإدارية والأيديولوجية. ويعرف "جميل صليبا" السلطة لغة في معجمه على أنها القوة والقدرة على الشيء وهي ذلك السلطان الذي يكون للإنسان على غيره... وجمع السلطة سلطات، وهي الهيئات الاجتماعية التي تمارس السلطة، مثل السلطات السياسية، والسلطات التعليمية، والسلطات القضائية، وغيرها...
إشكال المحور
ما طبيعة السلطة السياسية...؟ هل هي سلطة قائمة على الحق والقانون، أم على العنف والقمع...؟مونتسكيو: السلطة السياسية سلطة ديمقراطية
من خلال كتابه "روح القوانين" يدعو إلى ضرورة التمييز بين ثلاث سلطات أساسية للدولة، وهي: "السلطة التشريعية، السلطة التنفيذية، السلطة القضائية". الأولى ممثلة في "البرلمان" وتعنى بسن القوانين والمراسيم في جميع مرافق الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والقانونية... والثانية متمثلة في "الحكومة" المكلفة بتنفيذ القوانين وتسهر على سلامة الدولة داخليا وخارجيا. بينما يتجلى دوره السلطة القضائية في ضمان تطبيق القانون ومعاقبة المخالفين وتسوية الخلافات بين الأفراد أو المؤسسات. لذلك، يشدد على ضرورة فصل هذه السلطات، لتجنب استبداد سلطة الدولة، وإهدار حقوق المواطنين وسلب حرياتهم. ولتحقيق الأمن والحرية والمساواة، ولا يعني هذا الفصل انفصالًا كاملاً ومطلقًا، بل هو في الواقع تعاون وتضامن فيما بينهما، حيث يكمل كل منهما الآخر.
لوي ألتوسير: السلطة السياسية سلطة قمعية
يميز الأجهزة التي تمارس بها الدولة سلطتها إلى قسمين مختلفين، أولهما أجهزة قمعية، وهي المؤسسات العنيفة التي تستخدم القمع والعنف بأشكاله المختلفة، كأدوات للسيطرة وفرض الأمن والاستقرار. وتتشكل من (الحكومة، الشرطة، المحاكم، السجون، الجيش)، وتتميز هذه الأجهزة باستقلاليتها وانتمائها للقطاع العمومي (الدولة). والأجهزة الإيديولوجية باعتبارها مجموعة من المؤسسات المتخصصة، والتي ينتمي أغلبها إلى القطاع الخاص (كالجهاز الديني، العائلي، المدرسي، القانوني، السياسي، النقابي، الإعلامي...). نستنتج في النهاية، أن سلطة الدولة تأخذ مظاهر مختلفة، سلطة مباشرة وتتجلى في جهاز الدولة، وسلطة غير مباشرة، التي تظهر من خلال المؤسسات التعليمية والدينية والإعلامية.
ميشيل فوكو: السلطة ليست مجموعة من الأجهزة
ينتقد المفهوم الكلاسيكي للسلطة، على أنها مجموعة من الأجهزة والمؤسسات التي تمكن من إخضاع المواطنين داخل بلد معين، سواء من خلال العنف أو من خلال تطبيق القانون. ويقدم تصوراً جديداً للسلطة بأنها: "علاقات القوى المتعددة التي تتماشى مع المجال الذي تعمل فيه هذه القوى (...) وهي أيضاً حركة تحول هذه القوى وتزيد من شدتها وتقلب موازينها بسبب الصراعات والمواجهات التي لا تتوقف". ومعنى هذا الحديث هو رفضه ربط السلطة بالمجموعة الحاكمة والهيئات العليا في أجهزة الدولة، وتقييد السلطة على الدولة فقط. ويشدد على أن السلطة شكلاً من أشكال المعرفة الاستراتيجية الموجهة والموجهة، إذ بمجرد أن تنشأ المعرفة (علمية أو غير العلمية)، لابد وأن تظهر على شكل سلطة بالغة التعقيد، لدرجة يصعب تتبع أصول نشوئها. ولا يمكن اختزالها في أيدي جهاز معين أو فئة أو فرد، حيث أنها موجودة وحاضرة في جميع الأوقات والأماكن.
خلاصة المحور
الحديث عن طبيعة السلطة السياسية هو الحديث عن مفهوم الدولة وتطورها التاريخي. يعتقد "مونتسكيو" أن الدولة تقوم على ثلاثة أنواع من السلطات "التشريعية، التنفيذية، القضائية" ويدعو إلى ضرورة فصل هذه السلطات لضمان حرية الانسان وحقوقه. بينما يعرف "ألتوسير" السلطة السياسية، كمجموعة من الأجهزة "القمعية والأيديولوجية". وعلى عكس من ذلك تماما، يرى "فوكو" أن سلطة الدولة لا يمكن أن تقتصر على مجموعة من الأجهزة، لأن السلطة تمتد في جميع أنحاء ومجالات المجتمع.