📁 آخر المقالات

المحور الاول: الشخص والهوية

الشخص والهوية

يشير مفهوم "الشخص" في التمثل اليومي على الكائن البشري دون غيره من الكائنات الأخرى، فهو ليس حيوانا وليس موضوعا (شيئا) ويحيل كذلك على الانسان باعتباره ذات عاقلة، يُميّز بين الخير والشر، وبين الصدق والأكاذيب، ويتحمل مسؤولية أفعاله واختياراته. والسمة الرئيسية للشخص هي هويته، أي في تطابقه مع ذاته، في الماضي والمستقبل. هذه الهوية ليست جاهزة أو محددة مسبقًا، بل هي عملية تطورية طويلة ومرافقة لحياة الشخص ومرتبط بمراحل تكوين الأنا من خلال الاتصال والاحتكاك بالعالم الخارجي.

اشكالية المحور

ما هو الأساس الذي تقوم عليه هوية الشخص...؟

جون لوك: الشعور والذاكرة

تتحدد هوية الشخص في كونه كائن عقلاني قادر على التفكير والتأمل من خلال الشعور، لكون الإنسان لا يمكنه أن يعرف أنه يفكر إلا إذا شعر أنه يفكر، رغم اختلاف الأزمنة والامكنة. فكلما امتد هذا الشعور إلى الأفكار السابقة، ستمتد معه هوية الشخص لتشمل الذاكرة، لأن الأفعال السابقة تصدر عن نفس الذات الحاضرة. حيث يعمل الوعي على ربط وجود الشخص وأفعاله السابقة مع وجوده وأفعاله الحالية. وبالتالي لا يمكن الفصل بين الفكر والشعور، هذا الاخير هو الذي يشكل الهوية الشخصية للإنسان ويجعله يشعر أنه "هو هو" لا يتغير ويختلف عن الآخرين في نفس الوقت. وبالتالي فالهوية الشخصية لا تتحدد الا عبر الوعي والذاكرة والشعور.

ديكارت: الذات المفكرة

ينفي ديكارت أن يكون الانسان مجرد حيوان ناطق، أو انه كيان يعيش بلا شك. "الكوجيطو الديكارتي" "أنا أفكر إذن أنا موجود" يؤكد من خلاله ديكارت على ان الفكر هو الصفة والميزة الأساسية في الانسان. وبه تتحدد هويته. وهذا ما ذهب إليه من خلال كتابه "تأملات" عند قوله "لا أسلم بشي ما لم يكن بالضرورة صحيحا... أنا شيء مفكر، وما الشيء المفكر...؟ إنه شيء يشك، ويفهم ويتصور، يثبت وينفي، يريد ويتخيل ويحس أيضا، حقا إنه ليس بالأمر اليسر أن تكون هذه كلها من خصائص طبيعتي" ومنه، فقد اثبت ديكارت أن شخصيته تكمن في كونه جوهرا، صفته المتميزة هي التفكير.

شوبنهاور: إرادة الحياة

على الرغم من التحولات التي يجلبها الزمن للإنسان، فإن فيه شيء ثابت لا يتغير، ولا يتأثر بالزمن ويمثل نواة وجود هذا الانسان. هذا الشيء ليس الشعور المرتبط بالذاكرة والماضي، فأحداث الماضي منسية، والذاكرة معرضة للتلف بسبب الشيخوخة أو المرض. وأيضا غير مرتبط بالعقل والتفكير الذي ليس إلا وظيفة بسيطة من وظائف الدماغ. كما أنه ليس في الجسم لأن الأخير يتغير على مر السنين، سواء من حيث جوهره أو صورته. من هنا يرى أن أساس هوية الشخص ونواة وجوده تعتمد على الإرادة. إرادة الحياة التي تظل ثابتة فينا حتى عندما ننسى ونتغير تماما.

خلاصة المحور

إن التباين الملحوظ بين التوجهات الفلسفية في تحديد طبيعة الهوية الشخصية يرجع بالأساس إلى الاختلاف في وجهات النظر المعتمدة (العقلانية - التجريبية - التشاؤمية ...) فالتصورات الفلسفية للإنسان تنظر إليه كشخص، باعتباره ذاتا تعي وجودها وحريتها، وإرادتها ومسؤوليتها، وتدرك بالتالي، ما هو ثابت في وجودها. هل هو الشعور والذاكرة "جون لوك" أو الذات المفكرة "ديكارت"، أو هي الإرادة التي لا تتحدد بزمان أو مكان "شوبنهاور".

تعليقات