📁 آخر المقالات

المحور الثاني: الشخص بوصفه قيمة

الشخص بوصفه قيمة

ليست الشخصية لفظا غريبا عن لغة التداول اليومية فهي كثيرا ما تستعمل حينما يتعلق الأمر بإصدار حكم تتحدد على أساسه قيمة فرد ما بالنسبة للآخرين. وهكذا تحيل الشخصية في التمثل الاجتماعي على مكانة اجتماعية مميزة لفرد ما، وذلك اعتمادا على معيار قد يكون ماديا يجد أساسه في المظهر الجسدي للفرد من حيث ما يبدو عليه من قوة جسمية أو صورة جمالية، أو في موقعه الاقتصادي داخل المجتمع، كما قد يكوم معيارا رمزية يستند على قيمة الفرد السياسية أو العلمية أو الدينية أو السلالية... وما قد يرتبط بذلك من اشعاع أو سلطة ونفوذ.

إشكالية المحور 

  • أين تكمن قيمة الشخص...؟ 
  • هل الشخص قيمة أخلاقية في ذاته أم من خلال مشاركته وانفتاحه على الغير...؟ 

موقف إيمانويل كانط 

يتميز الانسان حسب "كانط" بكونه كائنا عاقلا، والنتيجة النهائية لهذا التصور هي اعتباره غاية في ذاته وليس شيئا أو أداة أو موضوعا. وهذا ما ذهب إليه في كتابه "ميتافيزيقا الأخلاق" "تصرف على نحو تعامل فيه الإنسانية في شخصك كما في شخص غيرك، دائما وأبدا كغاية وليس مجرد وسيلة بتاتا". لذا، عندما نعتبر الانسان كشخص اي كذات لعقل أخلاقي عملي، سنجده يتجاوز كل سعر ولا يمكن ان تقدره فقط كوسيلة لتحقيق غايات الاخرين أو وسيلة لتحقيق غاياته الخاصة، بل هو غاية في ذاته، وهي قيمة داخلية مطلقة تجعله يرغم كل الكائنات العاقلة الاخرى على احترام ذاته.

موقف جورج غوسدروف 

يشدد على أن فكرة الشخص المستقل بذاته، كما تجسدت في الفلسفة الحديثة من خلال الذات المفكرة عند "ديكارت" أو الشخص الأخلاقي عند "كانط"، هي فكرة مثالية لا تتناسب مع طبيعة الوجود الفعلي للإنسان. لكون هذا الاخير لا يعيش في عزلة مطلقة أو في حالة من الاكتفاء الذاتي مع الآخرين، بل يرتبط وجوده بعلاقات التضامن والمشاركة والانفتاح على الغير، فالوجود الفردي يغتني بقدر ما يعطي ويمنح. وبالتالي فالكمال الأخلاقي للشخص يتحقق من خلال علاقات التعايش داخل المجموعة البشرية.

موقف فريدريك هيغل 

القيمة الأخلاقية للشخص لا يمكن تحقيقها إلا في حياة المجموعة. يجب إذن على كل شخص وفقًا لهيجل، أن يلتزم بواجباته ويقوم بدوره والمهام الموكلة إليه، بناءً على المكانة التي يشغلها داخل المجتمع، لذلك يدعو "هيجل" الشخص إلى الانفتاح على الآخرين وعلى الواقع، من خلال علاقة جدلية قائمة على التأثير والتأثر. وتكمن قيمة الشخص في السلوك الأخلاقي الذي يصدر عنه امتثالًا للالتزام الأخلاقي. وبالتالي يكتسب الإنسان قيمته الأخلاقية عندما يدرك نفسه وحريته ويصبح منخرطا ومساهماً ومشاركاً في مجتمعه بكل قيمه ومؤسساته.

خلاصة المحور 

يتبين من خلال هذا المحور ان البعد الأخلاقي يمثل أحد المقومات الأساسية لمفهوم الشخص، وأن التفكير في أساس أو منبع هذا البعد الأخلاقي يكشف عن تنوع الإجابات أو المقاربات. فنجد منظورًا حديثًا يرسخ الوعي الأخلاقي على المستوى الذاتي الذي تمثله فكرة الشخصية الأخلاقية "كانط" وبين منظور معاصر يميل إلى التركيز على البعد العلائقي للإنسان كأساس لتشكيله الأخلاقي "جوسدورف" و"هيغل".

تعليقات