المحور الثاني: محطات من تاريخ تطور الفلسفة
تقديم عام
أشرنا
في المحور السابق "نشأة الفلسفة" إلى صعوبة تحديد تعريف عام للفلسفة، حيث
لا وجود لفلسفة واحدة، بل هناك فلسفات متعددة بتعدد الفلاسفة والمفكرين، وهذا معناه
أننا لا ندرس الفلسفة كما ندرس أي علم من العلوم، بل ندرس فلسفات الفلاسفة، أي
أفكار ونظريات مفكرين عاشوا عبر التاريخ، فلا ندرس الفلسفة بل تاريخها. لأنها
لم تعرف مسارًا أو اتجاهًا واحدًا، لكنها عرفت مسارات واتجاهات مختلفة، لذلك كان
تاريخها تاريخ التعددية والتنوع والاختلاف، وهذا الجانب لا يظهر بين فلسفة وأخرى،
بل يظهر داخل الفلسفة الواحدة.
الإشكال المحوري
هل
الفلسفة اليونانية هي الشكل الوحيد المعروف في تاريخ الفكر الفلسفي البشري، أم أن
هناك أشكال فلسفية أخرى...؟أليست للحضارة الغربية الحديثة والمعاصرة
والحضارة الإسلامية انتاجات فلسفية، شكلت محطات أساسية في تطور الفكر الفلسفي...؟
---------------------------------------------
أولا: الفلسفة الغربية
الفلسفة الطبيعية القديمة "ظهرت في القرن 6 ق.م.".
تبلورت
الفلسفة اليونانية في شكلها الأول مع الحكماء الطبيعيون (طاليس وألكسمندرس
وهراقليطس...) وكان أهم ما يميز فكرهم، هو وحدة إشكالاتهم والطريقة والمنهجية التي
اعتمدوها للجواب على هذه الإشكاليات. حيث كان السؤال الفلسفي آنذاك ذو طبيعة
واحدة تتعلق "بمبدأ الكون وأصله وكيفية تكونه". هذا السؤال يكشف قدرة الإنسان اليوناني على الملاحظة الدقيقة
والتأمل وشمولية التفكير. ويعد "سقراط وأفلاطون
وأرسطو" أعظم فلاسفة العهد حيث أثرت يشكل قوي فلسفتهم
في الثقافة الغربية المتأخرة.
الفلسفة في العصور الوسطى
تميزت
هذه الفلسفة بتداخلها مع الدين النصراني واشتباك قضاياها بقضاياه، وهكذا لم يبقى
للفلسفة اليونانية والرومانية من آثار سوى ما تركته من أثر على الفكر الديني، ويعد
"أوغسطين" أشهر فلاسفة العصور الوسطى. وإلى جانب ذلك أيضا ظهرت
الفلسفة المدرسية بين القرن 12 والقرن 15، نتيجة ترجمة أعمال أرسطو إلى
اللاتينية -لغة الكنيسة النصرانية آنذاك-، عملت هذه الفلسفة المدرسية على
التوفيق بين أفكار أرسطو الرئيسية والتوراة والعقيدة النصرانية، ويعتبر "توما لاكويني" أشهر المدرسيين،
حيث اجتمع في فلسفته فكر أرسطو والفكر اللاهوتي حتى أصبحت هي الفلسفة الرسمية
الرومانية الكاثوليكية.
الفلسفة في العصور الحديثة "ارتباط الفلسفة الأوروبية بالعلم في القرن 17م."
ظهرت
هذه الفلسفة كنتيجة لحركة ثقافية كبرى "عصر
النهضة"، وأيضا للتقدم الكبير في
العلوم خاصة في مجال الفلك والفيزياء والرياضيات، وأيضا لظهور النزعة الإنسية التي
أعادت الاعتبار إلى الإنسان ومجدته، ويعد "فرانسيس
بيكون" من أوائل الفلاسفة المؤيدين للمنهج التجريبي العلمي وإلى
جانبه "رينيه ديكارت" مؤسس الفلسفة الحديثة في ق17، خاصة من خلال كتابه الشهير
"مقال في المنهج" الذي عرض فيه رؤية
جديدة للتفكير تقوم على النقد ومراجعة المعارف المكتسبة، وعلى قواعد محددة لتوجيه
العقل "الشك، تقسيم المشكلة إلى أجزاء، ترتيب الأفكار، مراجعة عامة
للنتائج".
الفلسفة في المرحلة المعاصرة "ابتدأت من القرن 19 إلى يومنا هذا."
هي المرحلة التي بدأ فيها الإنسان يمل سلطة العقل، وسلبيات الحداثة، فقد
أصبح العقل مقدسا وطاغيا وجامدا، ومن هنا ستظهر دعوات فلسفية جديدة تفكك هذا
النظام وتبين المسكوت عنه وتفضح هوامشه وخباياه. فأصبحت الفلسفة المعاصرة فلسفة
نقدية تتأسس من خلال الهدم والتفكيك، فلسفة تكشف لاشعور العقل الغربي وتهدم
مطلقاته وأصنامه، ويمثل هذه الفلسفة فلاسفة كبار من قبيل، "ميشيل فوكو، دريدا،
جيل دلوز...".
---------------------------------------------
ثانيا: الفلسفة الإسلامية
في كثير من الأحيان، فإن
المسلمون في العهد النبوي، والخلافة الراشدية، وطوال القرن الأول للهجرة، لم يتعلموا
الفلسفة. حيث تزامن تطور المعرفة عند العرب والمسلمين مع ظهور الاهتمام بالفلسفات
الشرقية واليونانية والعمل على ترجمتها ابتداء من القرن الثاني الهجري. مما أدى
إلى تشكل حركة فلسفية بقيادة عدد من المفكرين المسلمين من العرب وغير العرب. وهذا الإلمام
بالفلسفة جعل المسلمين ينقسمون إلى ثلاثة اتجاهات كبرى:
- اتجاه يؤيد تعلم
الفلسفة: ومن أصحاب هذا الاتجاه نذكر الكندي والفارابي وابن
رشد، وأشهرهم ابن رشد (1195هـ) الذي دافع عن ضرورة دراسة
الفلسفة وتعلمها، لأن الشرع يدعو إلى النظر والتفكر في الموجودات لأنها تدل على
وجود الصانع أي الله، وبما أن الفلسفة ليست شيئا أكثر من النظر في الموجودات
للوصول إلى وجود الصانع، فإن الفلسفة إذن لا تُعارض الدين، بل تدعمه وتؤيده. "الحق لا يضاد الحق، بل يوافقه ويشهد له".
- اتجاه يرفض تعلم
الفلسفة: يرى أصحاب هذا الاتجاه "بن تيمية والشافعي وابن
الصلاح" أن تعلم الفلسفة يتعارض مع الدين ولا فائدة فيه، ولو كانت خيرا
لتعلمها الصحابة والتابعون. يقول ابن الصلاح في هذا الصدد: "من تمنطق تزندق".
- اتجاه يتعامل مع الفلسفة بشكل
انتقائي: فأخذ منها ما نفعه وترك ما لا ينفع،
ومن دعاة هذا الاتجاه نذكر: "أبو حامد الغزالي" (505ه) الذي
درس الفلسفة اليونانية وميز فيها بين المنطق واعتبره علم نافع لجميع الأمم، وعلم
اللاهوت اليوناني المرتبط بأديان وأساطير الإغريق التي يجب رفضها لكونها تشوش على عقائد
المسلمين.