📁 آخر المقالات

المحور الثاني: الوعي الأخلاقي (روسو - نيتشه - فرويد)

المحور الثاني: الوعي الأخلاقي


https://www.philorami.net/2022/03/Friedrich-Nietzsche.html

تقوم الأخلاق على الوعي كقدرة على التمييز بين الخير والشر، حيث يبدو الوعي أو الضمير الأخلاقي كأحاسيس داخلية أو صوت ينطلق من أعماق الذات للقيام بالواجبات، ولهذا فمفهوم الواجب يرتبط أشد الارتباط بمفهوم الضمير الأخلاقي. والذي يدل من المنظور السيكولوجي على الوعي، ومن المنظور الأخلاقي على الضمير، نجد هناك تأكيدا وتلازما بين الوعي والضمير بحيث يفترض أحدهما الآخر، وكلاهما يرتبط بالفرد والمسؤولية الفردية، لكن الملاحظ أن الناس يختلفون في أحاسيسهم وأحكامهم الأخلاقية. وهو ما يجعلنا أمام مفارقة يمكن صياغتها في التساؤل التالي:

ما هو الأساس الذي يقوم عليه الوعي الأخلاقي...؟

أولا: موقف جان جاك روسو

يؤكد بأن أساس الوعي الأخلاقي هو مبدأ فطري يمكن الإنسان من التمييز بين الخير والشر. ويقول في ذلك "يوجد مبدأ فطري للعدالة والفضيلة في أعماق النفس البشرية، تقوم عليه رغم مبادئنا الشخصية أحكامنا التي نصدرها على أفعالنا وأفعال الغير فنصفها بالخيرة أو الشريرة". هكذا فمصدر الوعي الأخلاقي هو إحساس داخلي متأصل في الطبيعة الإنسانية، وهو الذي يميزها عن طبيعة أي كائن آخر.

من هنا فالوعي الأخلاقي عند روسو ليس فطريا فحسب، بل خالد وأزلي وصائب على الدوام فهو غريزة إلهية خالدة ومعصومة، وهي الضامنة والمرشدة للإنسان، والتي تمكنه من التمييز بين الخير والشر، وتمنح أفعاله صبغة أخلاقية متميزة. ولذلك يخاطبه روسو قائلا: "أيها الوعي! أنت أيتها الغريزة الإلهية الخالدة، وذات الصوت السماوي، والمرشدة المضمونة لإنسان جاهل ومحدود النظر، أيتها الغريزة المعصومة في تمييزها بين الخير والشر، فبدونك لن أشعر في ذاتي بما يجعلني أسموا فوق مرتبة البهائم"

ثانيا: موقف فريدريك نيتشه

الوعي الأخلاقي حسبه يجد أساسه في العلاقات التجارية الأولى بين الناس، فقد نشأ هذا الوعي في إطار علاقة تجارية بين الدائن والمدين، حيث أن هذا الأخير عجز عن أداء ما عليه من دين للأول، باعتباره واجبا عليه، فعوض له ذلك بخضوعه له وانصياعه لأوامره. من هنا فأصل الوعي الأخلاقي، أو التصورات الأخلاقية مثل الخطأ والضمير والواجب وقدسية الواجب ومثلها من كل شيء عظيم على هذه الأرض، وبالتالي أصل الخير والشر، هو تلك القيم والواجبات التي وضعها الدائنون ليعاقبوا بها المدينين ويصبحوا سادة عليهم.
يتبين إذن، أن الوعي الأخلاقي ذو جذور تاريخية وتجارية، إذ أنه يجد مرتكزاته في الصراع الذي حصل بين الناس حول المصالح الاجتماعية والاقتصادية. ولذلك فالإنسان لا يلتزم بالواجبات الأخلاقية في ذاتها، كما لا تكتسي هذه الواجبات صبغة ثابتة ومطلقة، بل إنه يتوخى النتائج النافعة المترتبة عن تلك الواجبات، مما يضفي عليها طابع النسبية والتغير.

ثالثا: موقف سيغموند فرويد

يرى فرويد من وجهة نظر التحليل النفسي أن الأنا الأعلى هو ما نسميه عادة بالضمير الأخلاقي، وهو في حقيقته جزء من الجهاز النفسي لشخصية الفرد، والذي يتكون نتيجة تمثل الإنسان للقيم الأخلاقية والعادات الاجتماعية. ويتشكل بفعل الأوامر والنواهي، ومنه نستوحي ما ينبغي وما لا ينبغي القيام به. وهو ما يقابل في الاصطلاح الأخلاقي مفهوم الضمير. فالأنا الأعلى حسب فرويد "هيأة نفسية اكتشفها التحليل النفسي، والضمير الأخلاقي هو الوظيفة التي ننسبها لهذه الهيأة بجانب وظائف أخرى، وتتمثل هذه الوظيفة في مراقبة أفعال ومقاصد الأنا والحكم عليها، ممارِسةً على الأنا عمليةَ رقابة.
ويشير في هذا الصدد الى ان الإحساس بالذنب، وقساوة الأنا الأعلى، وصرامة الضمير الأخلاقي، كلها شيء واحد، هو تعبير عن إدراك الأنا لكونه خاضعًا للمراقبة من طرف الأنا الأعلى وتعبيرا أيضا عن مقدار التوتر القائم بين ميولات الأنا ومتطلبات الأنا الأعلى.

خلاصة المحور

تأسيسا على ما سبق يمكن القول إن الأطروحات التي تناولت إشكالية الضمير الأخلاقي تقدم كل واحدة منها جانبا من جوانبه المختلفة. فهو قد يكون إحساسا داخليا متأصل في الطبيعة الإنسانية فهو فطري وأزلي وخالد وصائب على الدوام (روسو) في المقابل يعتبره التحليل النفسي مع "سيغموند فرويد" بأنه جزء لا يتجزأ من البنية النفسية، فالعنصر الأخلاقي هو جزء من النفس وهو انعكاس لقيم الجماعة وليس كيانا قبليا مستقلا، في حين يراه (نيتشه) مثله مثل كل شيء عظيم على هذه الأرض فقد روتها في بدايتها دماء كثيرة ردحا طويلا من الزمن، فهو ليس الا معاناة نمارسها وكأننا بذلك نؤدي دينا، ونشعر باللذة النهائية عند آدائه.


تعليقات