الطبيعة والنشاط الإنساني تحليل نص ديكارت الانسان سيد ومالك للطبيعة
من هو رونيه ديكارات
رينيه ديكارت René Descartes (1596-1650) فيلسوف وعالم رياضيات وفيزيائي ومثقف موسوعي فرنسي، يعد مؤسس الرياضيات الحديثة ومن رواد العقلانية في الفلسفة الحديثة. يشتهر بفلسفته المنهجية والتي تحث على الشك في كل شيء حتى يتم إثبات صحته، وقد صاغ قوله الشهير "أفكر، إذ أنا موجود" كجزء من تفسيره للوجود الذاتي. ومن مؤلفاته "تأملات ميتافيزيقية" و"رسالة في أهواء النفس" و"تأملات في الفلسفة الأولى"
إشكالات النص
يحاول رونيه ديكارت من خلال هذا النص الإجابة عن سؤال مركزي يتعلق بطبيعة العلاقة التي يربطها الانسان بالطبيعة. فإذا كانت الطبيعة هي الوسط الأساسي الذي يعيش فيه الانسان، ومصدر هدوئه وسكينته ومجالا لتأمله وتفكيره، فهو يعمل في نفس الوقت بكل قوته على تحويل موادها وتسخيرها لخدمة مصالح، ومنه فأي علاقة أقامها الانسان مع الطبيعة؟ هل هي علاقة استغلال وسيطرة أم علاقة انسجام وتوازن؟ وما دور المعرفة والعلم في هذه العلاقة؟
أطروحة النص
يدعو ديكارت في نصه إلى الاهتمام بالفلسفة العمـلية ليس إهمالاً للفلسفة النظرية أو تقليلاً من قيمتها، وإنما لغرضين أساسيين هما تحقيق الراحة وحفظ الصحة التي هي بلا ريب الخير الأسمى، وأساس جميع الخيرات وذلك عن طريق تسخير الطبيعة لخدمة الإنسان.
الوحدات الفكرية
- إن موقف ديكارت من الفلسفة التأملية النظرية هو موقف تجاوز وقطيعة ورفض، لأنها في نظره فلسفة عقيمة وجوفاء، ولا تنتج عنها أية منافع ملموسة على المستوى العملي.
- يجب التخلي عن الفلسفة النظرية التي كانت سائدة بأوروبا خلال القرون الوسطى، وبشكل خاص فلسفة أرسطو والتأويلات المسيحية لها؛ لأنها فلسفة عقيمة، وتبني فلسفة بديلة هي الفلسفة العملية، التي يمكن بواسطتها معرفة خصائص وقوانين الظواهر الطبيعية.
- إن الفلسفة العملية المرتبطة بالعلم الطبيعي تمكننا أولا من فهم ومعرفة القوانين التي تتحكم في مختلف الظواهر الطبيعية، وثانيا هي خطوة أساسية للسيطرة على الطبيعة وتحويلها إلى منتوجات صناعية وثقافية يستفيد منها الإنسان.
البنية المفاهيمية
- الفلسفة النظرية: يقصد بها الفلسفة التي كانت سائدة وتدرس بالمدارس التابعة للكنائس بأوروبا خلال القرون الوسطى، وكان يغلب على هذه الفلسفة في نظر ديكارت طابع اللفظية والتلقين، لهذا اعتبرها فلسفة عقيمة لأنها كانت تهتم في العلم فقط بمعرفة معاني الأشياء الطبيعية.
- علم الطبيعة: هو العلم الذي يدرس الطبيعة بهدف معرفتها معرفة دقيقة، بناء على أدوات ووسائل وأليات. ومنه فهو العلم الذي يضع المبادئ النظرية والقوانين التي تحكم مختلف الظواهر الطبيعية.
- الفلسفة العملية: هي التطبيق الواقعي والترجمة الفعلية للمبادئ والقوانين الذي ينتجها علم الطبيعة، عن طريق تحويل الطبيعة وتسخيرها لخدمة الإنسان، وعن طريقها سيتم الوصول إلى في النهاية إلى السيادة على الطبيعة وتملكها.
البنية الحجاجية
استخدم صاحب النص مجموعة من الآليات الحجاجية من أجل الدفاع عن أطروحته:
- حجة الدحض: وتتمثل في نقد الفلسفة التأملية النظرية التي كانت سائدة في القرون السابقة، والمؤشر اللغوي الدال عليه من النص: "وأنه يمكننا أن نجد بدلا من هذه الفلسفة النظرية… فلسفة عملية..."
- حجة المثال: أعطى صاحب النص مجموعة من الأمثلة عن الظواهر الطبيعية: النار، الماء، الهواء، الكواكب... والغرض من ذلك هو توضيح أن معرفة مكوناتها والقوانين المتحكمة فيها، يؤدي إلى السيطرة عليها وتسخيرها لخدمة مصالح الإنسان.
- حجة الاستنتاج: حيث انطلق من مجموعة من الأفكار للوصول إلى فكرة محورية: "الصحة بلا ريب الخير الأول".
قيمة النص
تتجلى قيمة النص في تأكيده على وجود علاقة صراع دائم بين الإنسان والطبيعة، وفي ظل الفلسفة العقيمة التي كانت سائدة قبل العصور الحديثة فإن الإنسان كان عبدا للطبيعة وخاضعا لقوانينها. لكن حين اعتمد على فلسفة أخرى قائمة على معرفة الطبيعة وقوانينها، استطاع تغيير علاقته بالطبيعة من عبودية إلى سيادة وتملك.